تحسين وتطوير طرق التدريس
يختص تدريس القرءان الكريم وعلومه بطرق وأدبيات نجدها مدونة في التراث الإسلامي وقد ضُمِّنَت في مؤلفات وكتب آداب الرحلة في طلب العلم، ونجد في هذه الكتب قواعد محددة ودقيقة خارجة عن الإطار التربوي حيث تتعلق بقيم وأخلاقيات التعليم والتعلم، وتدخل ضمن التعقيد العملي المؤثر في نهج ومنهجيات الفهم والتنزيل، ولهذا كانت سبل وطرق تعليم وتدريس القرءان وعلومه تتجاوز الأنشطة التربوية إلى مقاصد أخرى كالحفظ والتحليل مع الشرح والفهم ثم التقويم فالدعم، بالتالي تصير هذه القواعد لا غنى عنها في تدريس القرءان وكيفية التعامل معه.
إن الناظر إلى طرق التربية الحديثة، يصل إلى أنها تركز أساسا على:
1- استفزاز حوافز التعلم لدى المتعلمين.
2- الإكثار من الأنشطة التعليمية.
3- بناء الدرس عبر مراحل وخطوات معينة من التمهيد فالوضعية المشكلة إلى التقويم والدعم.
4- استثمار الوسائل التعليمية، وتنمية مهارات وقدرات المتعلمين بشكل متدرج.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو كيف يمكن أن نجمع بين أدبيات وقواعد السابقين وبين النظريات التربوية الحديثة؟ بهدف تطوير نسق متجدد في أساليب وطرق تدريس القرءان وعلومه.
نحتاج للجواب على هذا السؤال أن نقوم بتقسيمه إلى فروع وأسئلة فرعية وجزئية، كما أن قولنا بأن تدريس القرءان مع علومه يحتاج إلى طريقة واحدة قول لا يستقيم نظرا لتعدد أساليب التدريس عند كل أستاذ، ولتعدد واختلاف قدرات المتعلمين. لكن مع ذلك هذا لا يمنع من أن نضع المعالم الأولى والأسس الضرورية التي قد لا تخلو منها أي طريقة تدريس أو أي أسلوب تربوي، محاولين بهذا أن نجمع بين القواعد العلمية في تدريس القرءان والاجتهادات الحديثة في أساليب وطرق التدريس.
وسنقوم بعرض هذه الأسس ثم سنحاول التفصيل فيها على قدر المستطاع ومنها:
التركيز على خلق الدافعية على التعلم في مدخل الدرس.
اهتمت النظريات التربوية الجديدة بخلق الدافعية لدى المتعلمين تجاه التعلم قبل الشروع في مراحل الدرس، وهذا لا يكون إلا من خلال تقديم محفز ومشوق، ويتخذ هذا التحفيز مجموعة من الأشكال كالحكاية، الصورة، إحصاءات أو غيرها من طرق التشويق، والمقصد من ذلك الدفع بالمتعلم إلى الانخراط بجميع قواه الادراكية والعقلية والنفسية في اقتراح حلول للإشكال المتضمن داخل الوضعية المشكلة، كما يحفز كل قواه ليركز مع التعلمات المقدمة.
ويجد المتبصر والمتأمل في أحاديث الرسول ﷺ -وهو أول معلم للقرآن- مواقف كثيرة تدل على أن الرسول كان يثير ذهن المتلقي إما بسؤال محير أو غيره بهدف دفع السامع إلى الشوق للتعلم والاستماع ومعرفة الجواب، كما أن قارئ أسباب الورود يجد أحداثا ومواقف تعليمية وتربوية راقية تحفز الناس على التعلم ومنها:
- السؤال المثير: كحديث السؤال عن الشجرة التي لا يسقط ورقها والسؤال عن المفلس وعن حق الله وحق عباده…
- استغلال الأحداث والمواقف: ومن ذلك حديث "لبيك عن شبرمة". فيلاحظ أن الرسول لم يكن يؤجل البيان والنصح والتعليم عن وقت الحاجة.
- استغلال واستثمار إقبال المتعلمين على الدرس والتعلم خصوصا إذا كان عن رغبة: نجد هذا في أجوبة الرسول ﷺ على أسئلة الناس، ومن ذلك قولهم: يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة وينجيني من النار، ويا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، وقولهم أي الأعمال أفضل أو أحب إلى الله وغير ذلك.
- الحركات التي تثير التساؤل والاستغراب مع التأمين ثلاثا، وصلاته مع الناس قبل أن يقول: ''صلوا كما رأيتموني أصلي''
- استثمار المواقف الدالة على اختلاف في الإدراك والفهم، وكذا الفعل والعمل المختلف المبني على اختلاف التصور كما وقع عندما أقر الرسول ﷺ صحة الذي أعاد الصلاة بعد أن وجد المياه وبعد أن تيمم وصلى، وأقر كذلك الذي اكتفى بالصلاة الأولى… وغيرها من المواقف.
- استغلال ضرب الأمثال والحكاية والقصة لبناء المعارف الجديدة: كاستنتاج القيم والعبر من أحوال الأمم السابقة ومن ذلك حديث قاتل تسع وتسعون نفسا وحديث اللبنة في ضرب الأمثال.
تعد هذه الطرق والأساليب من الوسائل التي كان الرسول ﷺ يشوق بها المتلقي إلى التعلم في سيرة النبي ﷺ، وهذا كله ما هو إلا رسائل ومؤشرات تربوية إلى كل العاملين في قطاع التربية للاجتهاد في اكتشاف وإبداع كل الوسائل المحفزة على الانخراط في التعلم، لأنه كلما ربط بواقعة مثيرة أو محفز كان ذلك أحسن لترسيخه في الذهن ومؤثرا في السلوك.
تجويد عرض المادة التعليمية للفهم.
![]() |
تجويد عرض المادة التعليمية |
كان عليه الصلاة والسلام يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه، ويقول أنس بن مالك: أن نبي الله محمد ﷺ كان يردد الكلمة ثلاث مرات إلى أن يعقلها المخاطَب، ولقد كان فقهاء الأمة الإسلامية وعلماءها يقرؤون من حفظهم بأنفسهم أو من النسخ الأصلية، أو قد يتخيرون في حلق العلم والمجالس من حَذِق من المتعلمين لكي يقرأ بِتَأَنّ بعيدا عن التحريف والتصحيف ومراعيا سلامة القراءة واللغة والنحو والصرف، وإن أبرز وأعلى الطرق في التحمل طريقة القراءة والسماع، والسبب هو أثرها في دقة التأمل في النص المقروء مما يثمر استنباط المعاني الخاصة به عندما يقرأ القارئ الجمل التامة المعنى ويستمع إليه المتلقي المستمع، حيث تتقرر هذه القراءة في العقل والذهن وتؤدي إلى الفهم ثم الحفظ والاستذكار مع الاستنباط والتطبيق والتعميم. ثم إنه لا يخفى على الراوي والمدرس والعالم ما يترتب على القراءة التي يكتر فيها التصحيف إذا طالت النصوص القرءانية أو نصوص الحديث الشريف أو نصوص الأقوال الفقهية إذ إن تغيير حركة مكان أخرى أو إضافة نقطة فوق حرف قد يغير أو يحرف المعنى أو قد يقلب المعنى إلى ضده.
إن النظريات التعليمية والتربوية الجديدة في سبل وطرق التربية والتدريس خاصة منها المتعلقة بقراءة النصوص وضعت ثلاثة مستويات لقراءة أي نص وهي على الشكل التالي:
- القراءة التوجيهية: يتكفل بها المدرس في البداية، أو قد يقوم بإسنادها إلى الطالب الحذق الماهر في القراءة.
- القراءة التجريبية: ينبري لها فرد أو جماعة من التلاميذ، الهدف منها هو أن يقتفي فيها المتعلم خطى المعلم أو المدرس في القراءة السابقة، ومن الطبيعي أن تكون مليئة بالأخطاء والزلل لهذا لابد أن تتلوها قراءة تصحيحية.
- القراءة التصحيحية: تقوم بدعم وتعزيز ما استقام من قراءة المتعلمين، ثم تقوم بتقويم وتصحيح ما تعثر التلاميذ في نطقه.
والهدف من العمل بهذه الطريقة في تدريس وقراءة النصوص هو تدريب المتعلمين على مهارة القراءة بشكل سليم، مما يثمر التأمل والتدبر ويساعد في الاستذكار والاستظهار ثم التحليل أو التلخيص والتركيب، كما أن هذه الطريقة تنمي كل الحواس كل واحدة على حدى (السمع، البصر، الرؤية، الكلام).
ولقد كان لعلمائنا أدبيات وطقوس (إن صح التعبير) في تدريس النصوص نذكر منها:
- إجلاس القارئ بجانب العالم حتى يصحح له إن أخطأ.
- إجلاس القراءة على مسطبة وهي مكانٌ مُمهَّد مرتفع قليلاً يقعد عليه (مصدر الشرح) أو نحوها، حتى ينتبه الناسخ إلى حركة شفاهه.
- عقد حلق العلم في المسجد حتى يسود على المجلس وقار العبادة.
- الاغتسال والوضوء والتطيب ولبس أجمل الثياب.
- تعطير مكان المجلس بالعود والرائحة الطاهرة الزكية.
اختلفت تقاليد وأجواء المدرسة الحديثة عن أدبيات الأجواء السائدة في التربية في تراثنا الإسلامي، حيث نجد أن المدرسة الحديثة تمتاز بالحركة الزائدة، كما أن الدعوة فيها أضحت أكثر إلحاحا إلى إشراك المتعلم في بناء الدروس والقيام بالأنشطة التربوية والمدرسية، وكذا فتح آفاق التنافس وفرص إبراز القدرات…لكن هذا لا يجعل بين السابق والحاضر تنافرا، إذ إن العلماء رسخواْ قاعدة "الحاجة تقدر بقدرها" فلا يحجر على مواهب وقدرات المتعلم كما لا ينبغي أن يكون الأمر منفتحا أكثر من اللازم حتى لا يخل ذلك بآداب علوم الشريعة.
وما زال الموضوع مثار نقاش علمي فكري ونظري تطبيقي
ردحذفطبعا ما زال كذلك والواجب علينا هو أن ندلي بفكرتنا
حذفللمساهمة في حل هذه المعضلة
وفقكم الله
ردحذفلكم منا جزيل المحبة والشكر عزيزي القارئ
حذفولكم في القلب محبة أستاذي
ردحذفهذا من جميل صفاء وبياض قلبكم الطيب
حذفIt's a great think to have this ideas
ردحذفThank u my dear reader for this nice comment
حذفلعل احسن منهاج هو الذي يجمع بين كل العلوم
ردحذف