تحسين وتطوير طرق التدريس والتقويم
تطرقنا في المقالة الأولى من هذه السلسة إلى محورين أساسيين، الأول تعلق بالاهتمام بتنمية حافز التعلم عند التلاميذ في بداية كل درس أما الثاني فكان عن تجويد طرق الفهم والإفهام عند تدريس النص الشرعي. ثم في المقالة الثانية إلى مراحل الأربع لفهم وتحليل النص الشرعي والاستنباط منه ثم إلى الأمور الضرورية لإكساب المتعلم القدرات والمهارات اللازمة من خلال الأنشطة التعليمية. وسنتم هذه السلسلة في هذا المقال إن شاء الله.
استثمار الوسائل التعليمية في تدريسية علوم الشريعة.
لقد أتيح في عصرنا فرصة تطوير وسائل العملية التربوية وتنويعها ما لم يُتَحْ لمن سبقونا في هذا المجال، وما زالت السنوات المقبلة تخبأ طفرات أخرى في تكنولوجيا ووسائل التربية والتدريس، ويجد المدرس نفسه مضطرا إلى مسايرة هذه التحولات المتجددة للاستفادة من تحسين وسائل وطرق تدريس المَعِْرفَة ونقلها وترسيخ القيم واكسابها وبناء المهارات وتنميتها.
تطور الوسائل التعليمية في القرآن والحديث
إنه لمن البديهي والمعلوم في عصرنا أن المتعلم يصل درجة التركيز الذهني العقلي والعاطفي الوجداني إذا تمت مخاطبته عبر مختلف وسائل تواصله مع المحيط (من البصر إلى السمع إلى القلب والذاكرة…). والمدرسون يفقهون جيدا أنه توجد مواقف تربوية عالية الدقة لا يؤدي فيها الخطاب والإلقاء أي نفع:
- كاستعلام ابراهيم عن طريقة إعادة الحياة إلى الموتى في قوله تعالى: "رب أرني كيف تحيي الموتى".
- وكذا الرجل الصالح من بني اسرائيل الذي تساءل فقال: "أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها".
- أو رغبة النبي الكريم موسى عليه السلام في رؤية وجه الله تعالى.
ففي كل من هذه الوضعيات احتاج المتعلم فيها إلى رؤية إعادة الحياة إلى الموت، وعظام تغطى باللحم الطري من جديد، وسماع جبال شاهقة وكبيرة تسقط وتخر…وكلها مشاهد تجريبية سمعية وبصرية بالغة التعقيد تستهدف بناء المفاهيم المعقدة، في حين أن هناك مواقف تربوية أخرى تنفع معها الذكرى فقط بجملة أو عبارة قصيرة لكنها ينبغي أن تحمل عصارة التجارب وتحمل معها هي الأخرى دلالات غاية في العمق، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "قل آمن بالله ثم استقم".
إن المدرس الذي يتأمل في سلوك الكثير من المتعلمين في الحاضر يلاحظ تفاعلهم المبالغ فيه مع وسائل التواصل والإعلام (مواقع، تلفاز، هواتف، تطبيقات…)، وذلك في غالب شؤونهم اليومية. فمن البديهي ألا يلفت انتباههم ما يدرس لهم من معارف وقيم ومهارات بالطرق التقليدية…بل قد يولد ذلك عندهم عدم الرضى مع غياب التفاعل في أحسن الأحوال، ناهيك عن اتخاذهم لموقف سلبي كاتهام هذه الطرق والمدرسة بشكل عام بالتخلف. فما الحل؟
حاجة المدرس إلى استعمال تكنولوجيا التربية.
إن كونك مُرَبّيا ومدرسا فأنت صاحب رسالة وسلعة ثمينة ومهمة للفرد والجماعة للمسلم خاصة والانسان عامة، فيجب عليه بناء على هذا أن يُحْسِنَ نشرها وتدريسها بأفضل الأساليب والوسائل المسايرة لعصره وزمن عيشه، فما بالكم إن كانت هذه السلعة علوم الشريعة المرتبطة بشكل مباشر بالقرءان والسنة والسيرة والحديث…فوجب والحالة هذه أن يشحذ الهمة ويجلب إلى كل درس ما يلفت المتعلم ويحفزه للانخراط في جو التعلم.
وأنا أجزم يقينا أن غالب المدرسين في العالم الاسلامي لا يملك عذرا خصوصا مع انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة عامة وتطورها في مجال التدريس والبحث، فمن المعلوم أن:
- الموسوعات الفقهية والتفسيرية والحديثية قد جمعت في أقراص مدمجة.
- كما نجد أن شبكة الإنترنيت عامرة بالصور التوضيحية ومقاطع الفيديو التي تحكي قصص الأنبياء وأحداث التاريخ ومنها ما يشرح خطط وقوع الحروب أو نشوء وانهيار الدول بأشكال تخطيطية وصور فوتوغرافية…
- نجد كذلك أن في استطاعة المتعلم أن يتواصل مباشرة مع العلماء المتخصصين في العالم عبر مواقعهم الالكترونية وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
- كما نجد أن فضاء الانترنيت وفر فرص تحميل أحدث الدراسات المتخصصة في مجالات التربية الإسلامية
- كما وفر إمكانية تحميل الكتب والوسائط المعينة على تلخيص وفهم الدروس والنصوص الشرعية غير ذلك مما يوفره هذا الفضاء…لكن هذا لا يأخذ بعين عمياء بل من الضروري أن يكون صادرا من المجامع العلمية أو الدوريات والمجلات المُحَكَّمَة.
إن كل ما سبق يفرض بالضرورة على المدرس خاصة المهتم بعلوم الشريعة:
- أن يحسن استثمار هذه الامكانات الحديثة عند التخطيط ثم التحضير للدرس.
- أن يحسن استثمار هذه الامكانات الحديثة عند تنقيبه عن المعينات والوسائل التربوية المساعدة في تبسيط المفاهيم المجردة للمتعلم والمشكلة لجزء كبير من المعارف الاسلامية.
- إحالة المتعلم إلى البحث عن المؤلفات ورجال العلم والمعرفة ونصوص علوم الشريعة…
- أن ينبه إلى خطورة الاعتماد على المصادر غير الموثوقة.
- تجديد المدرس للتكوين الدائم في مختلف فروع هذه المجالات تقنيا وتربويا وعلميا
وهنا يمكن الرجوع إلى "تكنولوجيا الإعلام والتوصل وتوظيفها في تدريس التربية الاسلامية" (تحميل الكتاب):
- معرفيا/علميا: يجب على المدرس أن يضبط المعايير العلمية الممكنة من تحديد وحسن اختيار المواقع الالكترونية المناسبة على فضاء الإنترنيت وكذا التطبيقات الهاتفية أو البرامج الإلكترونية المشجعة على التعلم، مع معرفة المواقع الالكترونية غير الصالحة للتصفح مع التنبيه إلى خطورة أخذ المعلومات منها.
- تربويا: يجب على المربي أن يوظف مختلف الوسائل التربوية التعليمية بشكل ابداعي، مع احترام جملة من القواعد حال الاعداد إلى الاستثمار سواء في مدخل الدرس المركز على التحفيز أو وسط الدرس حيث تعرض المعرفة، أو في آخره حيث يتم تقويم كل المراحل السابقة بما فيها الوسائل والمعينات المستعملة.
- تقنيا: يلزم من المدرس أن يكون عارفا بطرق استخدام الوسائل السمعية البصرية وغالب الوسائل المعلوماتية…لهذا ينبغي له أن ينخرط في دورات تدريبية مركزة.
يعد التقويم طورا مهما من أطوار عملية التدريس، فيحتاج استكمال مراحل إنجاز الدرس الواحد أو اتمام الوحدة الدراسية أو منهاج التعليم السنوي، وحتى في منهاج المادة عامة…وهو إحدى المحطات الضرورية والتي لا غنى عنها لقياس مدى تحقق المقاصد المسطرة العامة منها والفرعية عنها. وهو ينتظم في ثلاثة أطوار:
مراحل التقويم:
الأول - التقويم القبلي/التشخيصي:
الهدف منه تشخيص المكتسبات القبلية لدى كل متعلم على حدى (مهارات، معارف، قيم)، ويكون ذلك قبل بداية عملية التدريس والتعلم، وهذا يساهم بشكل كبير في تحديد معالم خطة التدريس، لأننا نعرف من خلال هذا القياس مكامن الضعف فنقوم بإصلاحها عبر تقويتها، ونعلم به مكان القوة فنقوم بتعزيزه، أو قد نجد أن بعض هذه المكتسبات غائبة فنقوم ببنائها لدى المتعلم.
الثاني - التقويم التكويني/المرحلي:
الهدف منه هو الاطمئنان على نجاح عملية التدريس في تحقيق الأهداف المسطرة آنفا. وينقسم هذا النوع من التقويم إلى نوعين أو لنقل إنه يتدرج على مرحلتين: الأولى تقوم بتركيز وتقييم ما سبق تدريسها، والثانية هي مقدمة تمهيدية لما سيأتي من المكتسبات أي أنها تربط بين السابق واللاحق…فهذا النوع من التقويم يبشر بالسير السليم للتعلم أو ينذر المدرس إلى وجود خلل في عملية التدريس، كما أنه يساعد المتعلم في تركيز معلوماته وتثبيتها قبل الانتقال إلى اكتساب التعلمات الجديدة.
الثالث - التقويم النهائي الختامي:
الهدف منه هو قياس مدى تحقيق المقاصد المعرفية، المهارية والوجدانية السلوكية المسطرة في بداية عملية التدريس سواء تعلق الأمر بالأهداف طويلة الأمد أو متوسطة الأمد أو الأهداف الآنية كالتي تسطر قبل بداية الدرس. وهذا التقويم لا يعدو أن يكون قياسا تحصيليا لما تم تدريسه ثم لمعرفة استراتيجيات التعلم المقبلة، لتعزيز وتثبيت ما اكتسبه المتعلم، ثم تعويض ما اعتراه من النقص ويستفيد المتعلم من هذا التقويم معرفة مستواه المعرفي ومدى تحسن قدراته على التعلم.
تنوع التقويم بتنوع الأهداف:
تتعدد أنواع المقاصد المسطرة في أي منهاج دراسي تعليمي إلى ما هو معرفي ومهاري ووجداني وسلوكي، وهذا التنوع يفرض أن يقيس التقويم كل جانب على حدى، ومن المتعارف عليه بين المدرسين أن تقويم المعارف سهل وميسر إذا ما قُرِنَ بتقويم الأهداف السلوكية والوجدانية؛ فذلك يحتاج إبداعا في الطرق والأساليب والوسائل.
خاتمة:
إن الأفكار التي تسهم في التأسيس لنظرية تربوية معاصرة في تطوير المناهج التعليمية لعلوم الشريعة في مختلف المراحل التعليمية، لن تنتقل إلى حيز التطبيق إلا عن طريق الوعي بأهمية البحث العلمي التربوي في هذا التخصص، وممارسته ميدانيا من خلال مراكز بحث متخصصة، مع استثمار نتائج هذا البحث في تكوين المدرسين.
فعلا وسائلنا التعليمية وطرقنا في التقويم والتدريس تحتاج كثيرا من التفكير والتقويم والتطوير
ردحذفوتلك وظيفتنا ومهمتنا
حذفإن انتظرنا غيرنا فلن نتقدم
وأنت عزيزي القارئ تعرف ماذا أقصد
وما زال الامر بحاجة الى اجتهاد
ردحذف