الأزمة التي يعيشها التعليم الديني في الجامعات الإسلامية
يتساءل كثير من المثقفين والمفكرين وبعض صناع القرار عن صحة وجود أزمة في التعليم الديني، وإن كانت فأين تظهر؟ وفي ماذا تتجلى؟ وما هي أسبابها؟ وما حلول فك هذه الأزمة…وغيرها من الأسئلة التي تدل على اهتمام فئة من النخبة بالتعليم الديني.
لقد أصبح هذا الموضوع هاما في الأعوام الماضية خصوصا مع تراجع الدور الحضاري للمسلمين وظهور طوائف شاذة عن قيم الإسلام، وما زال هذا التساؤل مستمرا إلى اليوم سواء على المستوى المحلي (المملكة المغربية) أو الإقليمي (العالم الإسلامي) وقد سبق أن كتبنا على موضوع أزمة التعليم الديني تحت عنوان "مقدمة في أزمة التعليم الديني". وستقرأ أيها القارئ الكريم في هذا المقال المحاولات السائدة والتي حملت على عاتقها حل هذه الأزمة.
تجليات أزمة التعليم الديني في الجامعات الإسلامية.
حين تستفحل المشكلة وتحتاج إلى حل فوري ومدروس نسميها أزمة، إن من قمة الخطر أن يتم وصف التعليم الديني بأنه لا يعيش أزمة، ويؤكد هذا إقرار الدارسين والمدرسين والمعلمين والباحثين في الشأن التربوي الديني، فجوابهم في الاستطلاع -الذي ستطلع عليه في سياق المقال- على سؤال: هل يعاني التعليم الديني من أزمة، كان: نعم.
يبدو أن هذا الوصف منطقي نظرا للمستوى المتدني الذي وصل إليه التعليم بشكل عام والديني بشكل خاص في العالم الإسلامي الأمازيغي العربي، وهذا التردي في المستوى التربوي ينعكس بطريقة مباشرة وغير مباشرة على مكانة هذا العالم ودوره بين الدول الأخرى، فوجب عزو التخلف المادي ومشكل التبعية الثقافية والتقنية للغرب إلى تدني مستوى التربية والتعليم، وليس إلى أوهام المؤامرة والضغوطات الخارجية رغم تأثير بعضها على العالم الإسلامي عموما، كما ينبغي على المسلمين الوعي بأن تدهور القيم والأخلاق والتشكيك في التاريخ والحضارة الإسلامية وانعدام الثقة في التراث مع غياب التحصين الفكري لعقول كثير من شباب الأمة ما كان ليكون لولا وقوع التعليم الديني والتربية عموما في أزمة.
عوامل أزمة التعليم الديني:
ترجع أسباب أزمة التعليم الديني حسب الاستطلاع إلى ما يلي:
- هوان وضعف التدريس ما قبل الجامعي.
- عوامل سياسية.
- محتوى المناهج.
- طرق تدريس وأساليب تقديم المنهاج.
- ضعف القائمين على التعليم.
- التركيز على الحفظ وقلة النزعة النقدية.
- التعصب مع غياب آداب الاختلاف والحوار.
عوامل أزمة التعليم الديني الخارجية:
يعد هوان التعليم الديني في المستويات ما قبل التعليم الجامعي أبرز عامل لتأخره هذا الأخير (التعليم العالي)، ويظهر أثر هذا في أن الجامعات -المهتمة بتدريس تخصصات العلوم الشرعية- تقوم باستقطاب تركيبة متنوعة مكونة من مختلف التخصصات الدراسية، وهو ما يعطي اشكالا جذريا وهو ضعف المستوى الدراسي لهذه الشرائح في علوم العربية والثقافة العامة والفنون المتخصصة التي يحتاجها الدارس في علوم الشريعة.
السبب الثاني لأزمة التعليم الديني بالتعليم العالي متعلق بالجانب السياسي التدبيري، ويتجلى هذا العامل أو يظهر في نظرة النخب السياسية الناقصة إلى هذا التعليم بالعالم الإسلامي الأمازيغي العربي، حيث يعتبرونه غير مفيد للحياة ولا دور له في التنمية شأن ذلك شأن الدين بشكل عام.
محاولات لتدارك وإيجاد حلول الأزمة
لا مهرب إذن من مقاربة هذا الموضوع لمعالجة مشكلاته؛ بهدف تقويم عملية التربية خصوصا الدينية منها، ولأن هذا من سنة من سبقنا من علماء التربية المسلمين.
المحاولات الفردية (اجتهاد علماء التربية المسلمين):
فنجد أن "مقدمة ابن خلدون" الشهيرة عرضت لأحوال التربية والتعليم الديني ومشكلاته…وفي ذلك كتب الإمام العزالي (نسأل الله تعالى أن يرحمه) ككتابه المسمى بـ "إحياء علوم الدين" وغيرها من المؤلفات الكتب والمصنفات الكثيرة المتخصصة في شؤون التعليم والتربية مثل كتاب "أليس الصبح بقريب" لكاتبه الشيخ الطاهر بن عاشور وهو مشروع علمي لإصلاح جامع الزيتونة، وكيف ننسى محمد راغب الطباخ في مشروع إصلاح التعليم الديني في مدارس حلب المهتمة بتدريس علوم الشريعة.
المحاولات الجماعية (عقد مؤتمرات وندوات تأسيسية إصلاحية):
اتخذت هذه المشاريع الناقدة من المنهاج وطرق التدريس ومخرجاته منطلقا ومحطة للوصول، لكن المشكلة في أن الدولة والنخبة السياسية قد تجاهلت هذه الرؤى الناقدة، ومنهم من رأى فيها خروجا عن مسار الإصلاح رغم أنها كانت إصلاحا في حد ذاته. ومع بروز الارهاصات الأولى للدولة الحديثة ظهرت تحديات تميزت بطبيعة فَرَضَها العصر فيما يتعلق بقيم وفلسفات وأسئلة عجز المعنيون بأمر التربية والتعليم الديني عن إيجاد حل لها ومواجهتها، لكن هذا ليس عجزا تاما فلقد كانت هنالك محاولات لتدارك ما يمكن إدراكه فتم عقد المؤتمر العالمي للتعليم الإسلامي في مكة سنة 1977م، ثم مؤتمر التربية الإسلامية في بيروت سنة 1982م، وندوة خبراء أسس التربية الإسلامية 1986م. وغيرها من المؤتمرات والندوات والدراسات مما جعل مناهج التربية متطورة بتطور البحث التربوي.
لكن هذا لم تستفد منه التربية الإسلامية إلا القليل لأن البحث التربوي في دراسة مادة التربية الإسلامية يقوم بملء الفراغات فقط عبر عناوين بحوث تربوية يكون الغرض منها إنجاز بحث شكلي لهدف أكاديمي فقط منحصر في الحصول على شهادة أو التخرج من تكوين.
ويرى الدكتور عبد الرحمان الحلي أن الجدير بالاهتمام هو: "التفكير بفلسفة التربية نفسها في بناء المنهج بدل الاغراق في الدراسات الشكلية كالانشغال بدراسة المصطلحات والألفاظ وتعريفها اللغوي والاصطلاحي"
المحاولات الحديثة (أسبابها و إجراءاتها):
العوامل الداعية إلى الإصلاح التربوي الحديث.
اكتسب البحث في التربية والتعليم الديني طابعا عالميا مع بداية القرن الواحد والعشرين خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/شتنبر سنة 2001م حيث لاح في الأفق تحدي عالمي واجه التربية الإسلامية وهو اتهام الدين الإسلامي بالإرهاب والغلو الإسلامي مع الدعوة العالمية إلى ضرورة تغيير مناهج التعليم الديني صاحبتها ضغوط اقتصادية وسياسية، أتاحت هذه الضغوط وهذه التحديات فتح باب التساؤل عن قضية التطرف، وعن مجموعة من الإشكالات التي يعاني منها التعليم الديني والتي تم تناسيها أو تجاهلها أو ببساطة حصل عدم الوعي بها خصوصا مع صراع الأمة الإسلامية مع سؤال التنمية المادية (تطوير الاقتصاد…). وهذه الإشكالات لها صلة بالتراث والتاريخ كما لها علاقة وطيدة بظروف المجتمع المسلم الحديثة ومتغيراته؛ ومثال ذلك العلاقة بين العولمة والتعليم أو التقنية والتعليم أو القيم الكونية والتعليم والتنمية.
لكن الكثير من الدول العربية أدركت هذه التحديات وهذه الأزمة في منظومة التربية والتعليم فقامت برد فعل إيجابي تجسد في إصلاح التعليم أما البعض الآخر فلم يستفق من غفلته إلا بعد الصدمة الحضارية حيث وجد نفسه في ذيل ترتيب الأمم في سلم التنمية، فقامت بتعديل مناهج التربية الإسلامية وتحيين مقرراتها…ومن هذا الباب دخلت الاتجاهات المتطرفة والمخالفة للدين الإسلامي ونادت بإلغاء تدريس الدين حيث ربطوا سببية التخلف بالإسلام ونادوا بتدريس الدين كظاهرة وليس كمنهج وتربية.
قامت الكثير من المؤسسات الأكاديمية بالاستجابة لدعوة إصلاح التعليم خصوصا التعليم الديني فعقدت ندوات ومؤتمرات قصد وضع اللبنات الأساسية لهذا الإصلاح وتحديد الثابت والمتغير الذي سيشمله الإصلاح…ولنكون دقيقين في هذا العرض سأحاول أن أناقش هذا الموضوع بطريقة أتجاوز فيها التكرار واجترار الحلول المناقشة آنفا في هذه المؤتمرات لكي أتقدم بالبحث خطوة إلى الأمام، وسأتناول تشخيص مظاهر الأزمة عن طريق وصفها وتحليلها مع استشراف حلول لها.
إجراءات الإصلاح التربوي الحديث.
نظرا لنذرة البحوث والدراسات في هذا المجال أو لضعف هذه الدراسات في الوصول إلى نتائج عملية وحلول تطبيقية سأحاول أن أكثف تركيزي في أزمة التدريس/التعليم الديني في الجامعات والكليات الإسلامية لكون هذا التعليم هو الباب الأول لإصلاح التعليم الديني في المجتمع الإسلامي (المسجدي أو المدرسي)؛ ولأن التعليم العالي هو الهدف الرئيسي لأي تعليم متخصص وهو الرافد الذي يصبو إليه المتعلم من أجل إتمام تدريسه وهو النافذة المطلة على الوظيفة وهو الضامن للتنمية وتطور العلم داخل أي دولة. وقد قام الكثير من الباحثين باستطلاع آراء الأساتذة الباحثين والذين يدرسون بالجامعات الإسلامية من خلال استبيانات…وقد بينت خلاصات هذا الاستطلاع مدى عمق الأزمة التي يعيشها التعليم الديني في الجامعات الإسلامية في العالم الإسلامي الأمازيغي العربي.
طبعا هي أزمة خانقة تنخر في جسد البحث والعلم
ردحذفونحن لها بالمرصاد بالتوعية والقراءة والتعلم
حذفلهذا نوصيك عزيزي القارئ الجميل أن تقوم بنشر مقالاتنا
فرب مبلغ أوعى من سامع
من أين تأخذ الصور
ردحذفانها صورة مستحسنة
ويظهر فيها مجهود صانعها