U3F1ZWV6ZTM5MzM2NDA3MzE2MzA1X0ZyZWUyNDgxNjgwNzE4ODE1Ng==

إشكالات بناء المنهاج التربوي

إشكالات بناء المنهاج التربوي

إشكالات بناء المنهاج التربوي

دعونا نفترض أن جميع علوم الشريعة الإسلامية (الفقه وأصوله، الكلام، الحديث…) كانت مُنذ أن ظهرت وتطورت قد أسهمت وساهمت بشكل كبير في تنمية وإذكاء الحس المنهجي لدى العاملين والمشتغلين بها من المعلمين والمدرسين والمربين والمتعلمين في عصور الازدهار العلمي والتطور المعرفي للأمة الأمازيغية - العربية لإسلامية، وهنا وجب التساؤل بناء على هذا المعطى، ما هي الإشكالات المعرفية، المنهجية، النظرية والتطبيقية التي أضحت تحد وتعرقل من دورها في تشكيل العقل المسلم في العصر الحالي/الحاضر سواء في بناء مناهجها التعليمية والتربوية أو تطوير طرق ووسائل تدريسها وأساليب تقويمها أعني بذلك علوم الشريعة، وسؤال ثاني وهو: ما هي آثار ذلك في بناء المعرفة الأمازيغية العربية الإسلامية في واقعنا المعاصر، وكيف يمكن أن تسهم علوم الشريعة الإسلامية في التنمية والاقتصاد من خلال نصوصها المنقولة، ومناهجها المعقولة العقلية المؤسسة على النصوص، والتجربة المتراكمة في طرق تدريسها وحملها وروايتها ونقلها وتطبيقها، الأمر الذي كان يؤدي إلى إعادة تشكيل العقل المسلم فيصبح مجتهدا مبدعا متوافقا مع الواقع المعاصر.

ذلك ما سنحاول أن نجيب عنه بنظرة تحليلية وصفية مقارنة موازنة بين العتيق/القديم والجديد/الحديث في المدرسة الإسلامية من جهة أولى، ونظريات التعلم والتدريس المعاصرة التي تكون خلاصة التجارب الإنسانية والتي لا تخلو من فائدة من جهة أخرى، لنصل في نهاية المطاف إلى استخلاص واستنتاج خلاصات واقتراح حلول عملية تطبيقية لتطوير وتحيين مناهج تدريس علوم الشريعة الإسلامية حتى تسهم وتساهم في بناء المعرفة الأمازيغية العربية الإسلامية السليمة والصحيحة وتتجاوز مظاهر العقم الفكري والخلل المنهجي الذي اعترتها مذ ضمر وَبَلِيَ التفكير الاسلامي -الاجتهادي المجدد-.

في تشخيص وضعية بناء المناهج التعليمية:

عُرف عن علماء وفقهاء الأمة الإسلامية في مجالس العلم والتربية اشتغالهم واهتمامهم بسرد مروياتهم من حفظهم واستذكارهم عن شيوخهم بالسند المتصل الصحيح المتميز بقوة الضبط، أو سرد كتاب من الكتب المعتمدة في الفن المدرس كالصحاح والسنن وغيرها من مصنفات الحديث وأمهات كتب التفسير والفقه وأصوله، والتعليق على ذلك بما فتح الله عليهم من علم وبيان اللغة والمعاني والاستنتاجات، وبسط الكلام عن أسباب نزول الآيات وأسباب ورود الأحاديث وبيان الناسخ والمنسوخ وأقسامهما والحديث عن المشكل والمختلف والصحيح والضعيف والحسن والمتواتر، مع الاستنباط الفقهي، وحكاية الخلاف والمخالف الصغير والأكبر ومظانه، والترجيح والمرجوح وطرقه، وغير هذا كله من ضروب علوم الشريعة، يستوي في ذلك الكهل والشيخ والصبي المميز والبالغ والحاضر والمسافر الحال بالبلد، لأن أغلب مجالس العلم كانت تعقد في المساجد وبعيد الصلوات بل قد لا تميز بين الطالب والسامع من عامة الناس في بعض الأحيان.
وقد عرف عن البعض من العلماء عقد مجالس العلم للخاصة من المريدين وطلبة العلم الملازمين والذين يصرحون بدءاً بغايتهم من الدراسة على الشيخ كرواية أحاديث بعينها لا توجد عند غيره، أو اجتهادات في دراية الحديث والأثر، أو مذهبه في التفسير والتأويل والفقه والفتوى ينفرد به عن غيره، أو مدارسة كتاب في فن بعينه رواية ودراية وشرحا أو ما إلى ذلك من ضروب العلم الشرعي.

والمطلع على مدونات طلب العلم وآداب العالم والمتعلم، لا يكاد يجد تصنيفا منهجيا للمادة العلمية بشكل يراعي القدرات النفسية والعقلية والجسمية للمتعلمين، ولا يكاد يعثر على تصنيف لهؤلاء في مجالس العلم بحسب تلكم القدرات، كما لا يكاد يعثر على منهاج تعليمي للمادة الدراسية يراعي حاجة المتعلمين حسب فئاتهم العمرية.

ولما كان القصد من كل ذلك: أداء الروايات وتبليغ الاجتهادات الفقهية إلى الأمصار بنفس نمط التحمل، فإن الغاية والمقصد كان يتحقق في الغالب لدى فئة محدودة مشتغلة برواية ودراية علوم الشريعة في كل مصر وقطر.

أما في عصرنا الحاضر، فقد تغيرت أنماط التعلم إذ أصبحت علوم الشريعة تطلب لغير تلكم الغايات وفي غير تلك الأماكن التعليمية ومن طوائف عمرية مختلفة، وأصبح لبناء مناهج التعليم قواعد ومبادئ ذات أبعاد متعددة نفسية وعقلية وفكرية واجتماعية، تقتضي إعادة النظر في بناء المناهج التعليمية لعلوم الشريعة في كل المستويات الدراسية على أسس جديدة تستثمر التجارب الثرة في تراثنا التعليمي، وتستلهم الجوانب الإيجابية في نظريات التعلم وبناء المناهج الدراسية الحديثة، وتسعى إلى التجديد سواء في تحديد الأهداف العامة والمرحلية لتدريس كل مادة من مواد علوم الشريعة، وفي كل مستوى من المستويات الدراسية، وبناء المحتوى الدراسي، وصياغة التوجيهات الخاصة بطرق ووسائل التدريس والتقويم.

وقد أدى القصور في البحث العلمي في بناء النظرية التربوية لتدريس علوم الشريعة كما أشرنا إلى ذلك من ذي قبل، إلى بروز إشكالات علمية وتربوية ومنهجية تشكل تحديات متزايدة تحد بقدر كبير من تحقق غايات تدريس علوم الشريعة في المدرسة المعاصرة نحاول أن نشخصها في التالي:

إشكالات في تحديد الأهداف:

من القواعد التربوية في صياغة الأهداف كونها واضحة العبارة، ودقيقة الصياغة ومختصرة، وقابلة للتقويم في مدة زمنية محددة، ومتنوعة لتشمل مختلف جوانب التكوين المعرفية والمهارية القيمية، إلا أن الناظر في مناهج التعليم الجامعي في علوم الشريعة يجد أنها عارية تماما من تحديد الأهداف (مخرجات التكوين)، أو تحدد أهدافاً عامة شاملة غير قابلة للتحقق ولا للقياس في المدة الزمنية المحددة للتدريس، أو تحدد أهدافا جزئية لا تنسجم والمحتوى التعليمي للمادة، ويتجلى ذلك من خلال الأمثلة التطبيقية.

إشكالات في تحديد الأهداف

إشكالات في بناء المحتوى التعليمي

معلوم أن المفاهيم تبنى في ذهن المتعلم بالتدريج من المفاهيم المادية إلى المفاهيم المجردة، فسهل على المتعلم مثلا أن يتعرف مفهوم الوضوء باعتباره ممارسة سلوكية مادية تتم بالماء الطاهر، أو التيمم باعتباره ممارسة سلوكية تتم بصعيد طيب، أو مفهوم الصدقة في مستواها البسيط باعتبارها ممارسة سلوكية تتم بشيء مادي هو في الغالب نقود أو طعام، كما أنها مفاهيم ليست مركبة تحتاج إلى منظومة علائقية من المفاهيم التي لا تفهم إلا باستيعابها كلها، كالحد في العقوبات أو النصاب أو الزكاة أو جبر ركن من أركان الحج، أو ربا النسيئة في الأموال، أو القضاء والقدر في العقائد أو غيرها.

ومن استوعبت طبيعة المفاهيم الإسلامية ورصد عن قرب القدرات المعرفية والإدراكية للمتعلمين لا يمكنه إلا أن يبدأ بالمفاهيم المادية، تلوها المفاهيم المجردة غير المركبة كالصدق والكرم والرحمة، تلوها بعد ذلك المفاهيم المجردة المركبة في مراحل متقدمة من الإدراك والتفاعل العقلي والوجداني لدى المتعلم.

لكن نظرة إلى مقررات علوم الشريعة في مناهجنا التعليمية تعكس عمق الأزمة في اختيار المفاهيم المدرسة والتي تشكل صلب عملية بناء المناهج.

وهكذا تجد على سبيل المثال لدى تلاميذ التعليم الابتدائي اختيار نصوص قرآنية وحديثية متضمنة لمفاهيم عميقة في العقيدة كالكفر والإيمان والمصير، وتفاصيل إخراج الزكاة، وحد تارك الصلاة، وما ينجبر بدم وما لا ينجبر من أعمال الحج.

والحالة هذه أن المتعلم في هذه المرحلة ينبغي أن يقتصر في العقيدة على تعلم قيمة حب الله الخالق المنعم الرحيم، وأن الزكاة ركن من أركان الإسلام، الحكمة منها العناية بالفقراء والمساكين، والترغيب في أداء الصلاة شكرا لله تعالى على نعمه، ثم يتطور المفهوم بعد ذلك بالتدريج إلى المرحلة الجامعية، وهكذا فالمفاهيم تبنى بالتدريج الذي يحول المفهوم من مادة علمية إلى مادة تعليمية ويختار لكل مستوى من مستويات المفهوم ما يلائمه ويعززه من نصوص قرآنية وحديثية وفقهية. كما أن بناء المفاهيم يقتضي على مستوى تحديد مواد المنهاج التعليمي أن تبدأ بالعلوم التطبيقية كالفقه مثلا قبل العلوم المنهجية كأصول الفقه؛ لأن استيعاب المنهج أقوى من استيعاب المعرفة.

إشكالات في تنظيم المعارف:

لا تكاد تنتظم الدروس المقررة في المنهاج الدراسي لعلوم الشريعة في نسق منهجي متدرج لتشكل في المدى البعيد نسقا معرفيا منظما في ذهن المتعلم، يفهم من خلاله مثلا أن الرسول نظم علاقة الإنسان بنفسه من خلال سلوكيات وأقوال وأفعال، كما نظم علاقته بخالقه كذلك ونظم علاقته بمحيطه ومجتمعه بالأسلوب نفسه، أو أن الإسلام نظم علاقات الناس في مجالات العقيدة والعبادات، ومجال الأسرة والمجتمع، ومجال الإعلام والتواصل، ومجال الصحة والبيئة ومجال الحقوق، ومجال الفن والإبداع والجمال، ومجال الاقتصاد والمال، وفي كل مجال من هذه المجالات نصوص قرآنية وحديثية وأحكام فقهية منظمة ومتكاملة.

بل الحاصل أن عناوين المواضيع في المناهج الدراسية لعلوم الشريعة لا ينظمها ناظم سوى التبويب الذي ارتضاه الفقيه أو المحدث في تأليف كتابه، ولم يبذل المدرسون جهوداً إضافية لإعادة تصنيف هذه المادة العلمية في نسق تعليمي جديد يسهل مأمورية المتعلمين في ربط المعرفة الشرعية بقضايا واقعهم المعاصر.

وهكذا نلاحظ أن الدروس لا تنتظم ضمن النسق من الوحدات والمكونات التي تسهل على المتعلم ربط المفاهيم ببعضها، في سياقات منهجية منسجمة داخليا ضمن وحدة معينة، ومتكاملة خارجيا مع المنهاج الدراسي ككل، وهذا يفقد على المدى البعيد القدرة على التفكير المنهجي لدى المتعلم.

تعديل المشاركة Reactions:
author-img

Admin

موقع مواظب التربوي منصة تهتم بمستجدات وكل ما يتعلق بمادة التربية الإسلامية، خصوصا في المستوى الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي. يعرض جذاذات وفروض وامتحانات، فيديوهات، ونتوفر على مكتبة خاصة. الهدف من إنشاء الصفحة هو المساهمة في إرساء وإدراج وسائل التكنولوجيا والاتصال في تدريس المادة.
تعليقات
تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. مقال جيد من جهة المعلومات
    ولو أنكم نسقتم المقال أكثر لكان أفضل للقارئ

    ردحذف
    الردود
    1. نحن نعمل على ذلك عزيزي القارئ
      هناك لجنة خاصة بهذا
      شكرا لك عزيزي القارئ النهم على هذا التعليق الجميل

      حذف

إرسال تعليق

- ملاحظاتك مهمة بالنسبة لك أيها القارئ الكريم:
1- أرجوك لا تنشر تعليقا غير مرغوب فيها.
2- رجاء تجنب تضمين عناوين URL الخاصة بموقع الويب في تعليقاتك الجميلة.

الاسمبريد إلكترونيرسالة