U3F1ZWV6ZTM5MzM2NDA3MzE2MzA1X0ZyZWUyNDgxNjgwNzE4ODE1Ng==

مقدمة في أزمة التعليم الديني

مقدمة في أزمة التعليم الديني

حضي -بسبب أزمة التعليم الديني- مجال تنقيح وإصلاح مناهج ومقررات التعليم في الوطن الأمازيغي العربي المسلم وعند الأقليات المسلمة في الغرب بجدال ونقاش، وقد زاد هذا في السنوات الأخيرة لأسباب ذاتية وموضوعية.

وقد توجه هذا النقاش أكثر صوب التركيز على تعديل التعليم الديني بالتحديد بشقيه الجامعي وما دونه، والمعلوم على أن الإصلاح كان حاضرا في كل أدبيات تاريخ التربية في العالم الإسلامي، إلا أن هذا الإصلاح الأخير في نسخته الجديدة تميز عن سابقيه، والمصيبة أن هذه الدعوات في غالبها تُسوَّق خارج المنظومة الإسلامية أكثر من ذي قبل مع غياب الدعوات المنطلقة من داخل الجسد المسلم ويكون في الغالب غيابا شبه عام.

وهنا تستحضر مسألة المرجعية والقيم بشكل أكبر خصوصا أن المنظومة المسلمة فقدت الثقة في غالب الدعوات الإصلاحية الخارجية خصوصا بعد آفة وشبهة حب الغرب لاستعمار دول العالم الثالث، أما التفصيلات الأخرى المتعلقة بالتقنيات التربوية المرتبطة أساسا بالبرامج والمناهج وتحيين طرق ووسائل التدريس فقد كان في المرتبة الثانية من حيث الأهمية سواء من قبل الداخل أو المهتم بالإصلاح من الخارج وخير مثال: هو إصلاح القرويين الجامع الأقدم بالمغرب والأزهر الشريف بمصر والزيتونة الطيبة بتونس في مطلع القرن العشرين.

مقال: مقدمة في أزمة التعليم الديني

إصلاح التعليم الديني في الغرب:

أهمية التعليم الديني، وتطوره:

أضف إلى هذا أن تأثير المنظومة التربوية والتعليمية أصبح يتعدى الجغرافيا والحدود، إذ أضحى المدرس في أقاصي آسية او أمريكا يجد صداه لدى المجتمع المدني في ربوع أوربا، كما أنه يؤثر في الواقع الاجتماعي والثقافي بهذه البلدان، وذلك بسبب التطور الهائل في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، مما لم يكن متيسرا ولا مألوفا من قبل، ويزيد المطلب إشعاعا وشهرة السلطة الرمزية والتي يمتلكها الخطاب الديني والذي هو في المحصلة النهائية النتيجة الطبيعية لنوعية التعليم الديني الملقن في المؤسسات التربوية، في مناهجها وطرق ووسائل تدريسها، بل وفي البيئة التعليمية العامة المحيطة بهذه المؤسسات. وهذا الأمر أخرج هذه الرمزية لتكون وقود الخطاب الأيديولوجي المعبأ في اتجاه إيجابي أو سلبي، مما دفع الغرب (مراكز البحث، المنظمات الحكومية وغير الحكومية أعني بهذا المجتمع المدني) أولا قبل الشرق إلى أن يسأل نفسه في حقبة زمنية معينة عن جدوى تعليم الدين تحت سؤال: لماذا يدرس الدين؟ بل تطور هذا الأمر ليشمل الطريقة تحت سؤال: كيف يدرس الدين؟ والسبب وراء هذه الاسئلة هو النقد الذاتي الذي قام به الغرب نفسه بعد أن عزل الدين والدراسات الدينية عن منظومته المدرسية والتربوية وسوق لذاك بدعوى الاصلاح وتنمية العالم المستعمر نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن العشرين من نفس التقويم، مما أحدث أزمات اجتماعية وثقافية اعترف بها الغرب نفسه.

أزمة التعليم الديني في الغرب:

يقول فليبس كوبس في كتابه "الازمات التربوية العالمية": إن الاضطراب الثقافي الذي نجم عن الثورات العلمية والتقنية الأخيرة، جعل من التربية الأخلاقية موضوع اهتمام ودراسة، ففي القرن التاسع عشر كانت هذه التربية تشكل قاعدة البرامج التعليمية في جميع دول أوربة وأمريكا الشمالية، ثم إن الطابع القروي كان لا يزال سائدا، كما أن الحركة العمرانية الحديثة لم تكن قد انطلقت بعد، وكانت العلاقات الأسرية متينة، والاعتقادات والمؤتمرات الدينية قوية، لكنه ابتداء من العقد الرابع للقرن العشرين…حصل تغيير جذري في المناخ الاقتصادي والسياسي والتربوي، كان من نتائجه أن اعتبرت التربية الأخلاقية أمرا بائدا…وهكذا تم اهمال التربية من قبل المدرس، والمشرفين عن التعليم، وظلت المدارس على هذا المنهج حتى نهاية السبعينيات، وقتئذ حصل اضطراب ثقافي، محدثا أنواعا من الأزمات الاجتماعية.

وهذه الأزمات التي تحدث عنها كوبس زادت تأثيرا في القرن الواحد والعشرين إلى أزمات اقتصادية وسياسية ضخمة يعيش جيلنا بعض آثارها، وستظهر بشكل جلي في مسار الأجيال القادمة.

اتجاهات في رصد مظاهر أزمة التعليم الديني

اتجاهات في رصد مظاهر أزمة التعليم الديني:

تمايزت مجموعة من الآراء والمواقف في خضم هذا الجدال في الساحة الفكرية ولعل أبرزها:

الأول - ضرورة فصل الدين عن المنظومة التعليمية:

ويقود هذا القول مثقفين عرب ومسيحيين، كعبد المجيد الشرفي، والمنصف بن عبد الجليل، وعفيف الخضر وغيرهم.

ويرى أصحاب القول إن الأسباب التي دعتهم إلى الأخذ به هو أن الدين وتدريسه يستنبت نفسية عدم قبول الآخر ورفض الاختلاف معه لدى التلاميذ والمتمدرسين عامة، مما يعطل الحوار مع الآخر، ويرسخ ثقافة التلقي عوض النقد والاختيار، أضف إلى ذلك قولهم إن التعليم الديني تقليدي ويعاني من آفة تضخم الجانب المعرفي في البرامج والمناهج، وعقم في طرق التدريس وهوان في توظيف الوسائل التعليمية، مما يجعل الفائدة المرجوة منه غير متاحة بل هي معطلة في الأساس. وإصلاح هذا غير ممكن؛ نظرا لأن القضية متعلقة باختلالات بنيوية متعلقة بالزمن فهي لا ترتفع هم يذهبون أكثر من هذا ويقولون إن التعليم الديني وتعليم الدين هو عالة على منظومة التربية.

الثاني - الاقرار بوجود أزمة في التعليم الديني:

لكنه يؤكد على أهميته في نجاعة منظومة التربية، خصوصا في التربية على الأخلاق والقيم الإسلامية، وصون الهوية، لأن هذا النوع من التعليم ما فتئ تاريخيا يعبأ الطاقات الفكرية والعلمية بل وحتى السياسية في العالم الإسلامي إبان الحرب على الاستعمار، وأن أزمته ما هي إلا نتاج الأزمة العامة التي يعيشها العالم الإسلامي أجمع، ولا يتحمل مسؤوليتها وحده، فالحل إذن ليس هو اجتثاثه وإنما تعديله وتقويمه، وتجديده. وقصدوا بذلك تحيين برامجه ومناهجه وطرق ووسائل تدريسه، مما يضمن استمرار قيامه بالمهام نفسها التي كان يقوم بها، كما ذهب أصحاب هذا الرأي إلى القول بأن ظاهرة العولمة التي يعرفها العالم اليوم تقود هجوما كاسحا يسحق تعدد الهويات، مما هدد الكثير منها بالاندثار مما يجعل من تعليم الدين وتدريسه وإحياء دوره ضرورة من أجل حماية الخصوصيات الثقافية والحضارية للعالم الإسلامي، وأصحاب هذا الرأي هم غالب علماء المسلمين ومفكريهم كمحمد عمارة وأحمد الريسوني ويوسف القرضاوي، وسليم العوا وطه جابر العلواني، والدكتور فتحي ملكاوي ووهبة الزحيلي وغيرهم كثير.

الثالث - المؤامرة الغربية ضد التعليم الديني:

حيث يذهب أصحاب الرأي إلى القول بأن الدعوة إلى إصلاح التعليم الديني هو دعوة إلى القضاء عليه وتغييب دوره مما يجعل من هذه الدعوة إسهاما في جوقة الغرب الذي يهدف إلى مسح ومسخ الهوية والثقافة الإسلامية وإقبار التاريخ الإسلامي، فهو غزو ثقافي مضمر مخطط له مسبقا، ومن ثم فإن مطالب الاصلاح ليست مستندة إلى احتياج داخلي ذاتي يطلبها ضرورة إصلاح التعليم، بل هي دعوة مغرضة تستجيب للتحكم الخارجي تهدف في المدى القريب إلى طمس الهوية وفي المدى البعيد تغيير الهوية الداخلية للبلدان الإسلامية، ومنه يجب تحصين هذا التعليم من هذه الدعوات لأنه الحصن الأخير والمنيع للدين والهوية والانتماء. ثم يضيفون ويتساءلون لماذا الاهتمام بالتعليم الديني بدرجة أولى أليس من المعقول توجيه الاصلاح إلى عموم المنظومة التربوية، رغم أنه يعيش مشاكل في البنيات التحتية والتجهيزات التقنية، مع فقر المناصب المالية وضعف التكوين وهوان التمويل…وغيرها من الاختلالات التي تكتسي أهمية أكبر، ولماذا هذه الدعوة ارتفعت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتزايدت بعد أحداث سنة ألفين وثلاثة. وهذا الرأي يلقى قبولا وتفهما شعبيا، كما يجد تعاطفا من بعض النخب المثقفة المنتمية لبعض الحركات الإسلامية.

خلاصة ما سبق

يتبين أننا أمام رؤى تتباين في قبول أو رفض إدماج التعليم الديني في المنظومة التربوية، كما تختلف في تحديد مفهوم الاصلاح نفسه ودواعيه ومتطلباته وآليات تنفيذه.

والسؤال هو كيف يمكننا تشخيص البنية التربوية والتعليمية الخاصة بالتعليم الديني في الوطن المسلم، ولدى الأقليات الإسلامية في العالم الغربي وكل هذا لرصد تجليات الأزمة بشكل واضح ودقيق يخضع لقوانين وقواعد العلم، بعيدا عن النقاشات الأيديولوجية العقيمة.
وهنا سنسأل سؤالا آخر لكي نحدد المنطلق وهو: ما هي أسس بناء الإصلاح المتكامل علميا وتربويا. وفق رؤية واضحة تقصد اصلاح المنظومة دون اقصاء يغض الطرف عن المعالجة الحقيقية للأزمة فيسقط في العدمية، ولا إلقاء كلي للتبعات على المؤامرة الخارجية، وعدم الاقرار والاعتراف بالاختلالات والثغرات الداخلية، مما يعرقل مسيرة الاصلاح والتي تعتبر ثقافة أصيلة بل إن الاسلام في حد ذاته إصلاح "إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت".
وقبل هذا من الضروري تحرير المصطلحات وتحديد المفاهيم لكي نحدد مسار الإصلاح: فما هو التعليم الديني، وما تعليم الدين، وما المقصود بإدماج القيم الدينية في المناهج التعليمية؟

تعديل المشاركة Reactions:
author-img

Admin

موقع مواظب التربوي منصة تهتم بمستجدات وكل ما يتعلق بمادة التربية الإسلامية، خصوصا في المستوى الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي. يعرض جذاذات وفروض وامتحانات، فيديوهات، ونتوفر على مكتبة خاصة. الهدف من إنشاء الصفحة هو المساهمة في إرساء وإدراج وسائل التكنولوجيا والاتصال في تدريس المادة.
تعليقات
6 تعليقات
إرسال تعليق
  1. الردود
    1. شكرا
      بارك الله فيك
      نرجو أن نكون عند حسن ظنكم

      حذف
    2. طبعا هذا مقال جميل

      حذف
  2. ينبغي في نظري لكل أستاذ مادة التربية الإسلامية أن يطلع على هذا المقال

    ردحذف
    الردود
    1. ملاحظة قيمة عزيز القارئ
      حاول جزيت خيرا أن تنشر هه المقالات
      وفقكم الله

      حذف
  3. شكرا لكم على تعليقاتكم الجميلة أعزائي المتابعين

    ردحذف

إرسال تعليق

- ملاحظاتك مهمة بالنسبة لك أيها القارئ الكريم:
1- أرجوك لا تنشر تعليقا غير مرغوب فيها.
2- رجاء تجنب تضمين عناوين URL الخاصة بموقع الويب في تعليقاتك الجميلة.

الاسمبريد إلكترونيرسالة