رؤية جديدة لتطوير المناهج الخاصة بتدريس علوم الشريعة
تتجلى المناهج الخاصة بتدريس علوم الشريعة كمواد تعليمية في جميع المستويات الدراسية؛ أي من الابتدائي إلى التعليم الجامعي (التعليم العالي) مرورا بالتعليم الثانوي بشقيه الاعدادي والتأهيلي، وهذا في أغلب دول العالم الأمازيغي العربي المسلم، وقد نجدها حاضرة في بعض التخصصات الأكاديمية في الكليات والجامعات في الغرب، وتتفرد مناهج هذه المادة في كل مستوى بمميزات وخصائص منهجية ومعرفية تجعلها مختلفة عن باقي المواد، ومختلفة ومتنامية في كل مستوى تربوي تعليمي.
"وبهذا ستتكامل وتتجانس محتويات المنهاج الدراسي لمختلف المستويات الدراسية لتشكل بهذا سلسلة متواصلة الحلقات تستهدف في نهاية المطاف تكوين العالم المتخصص في الدراسات القرآنية القادر على استئناف التكوين الذاتي عن طريق البحث وصولا إلى القدرة على التجديد في قراءة القرءان الكريم وعلومه".
معايير بناء المحتوى الدراسي:
تحديد الأهداف العامة:
من المعروف أن كل منهج تعليمي ينتظر منه الوصول إلى مقاصد وغايات معدودة ومحددة منها ما هو مرحلي ومنها ما هو نهائي، وهذا ما يجعل المحتوى التعليمي للمنهاج الدراسي منتظما في شكل عناوين ومفاهيم ومصطلحات موزعة على مختلف المستويات (المراحل الدراسية)، مع بعض التوجيهات العامة المنيرة لطرق تنفيذ وتنزيل المنهاج التعليمي التعلمي، ويجب أن
- تكون المقاصد محددة بدقة ليكون تقويمها سهلا.
- ومتعددة ومتنوعة لتكون شاملة لجميع جوانب التعلم
- وتقوم بتلبية كل حاجات المتعلمين من المهارات والمعارف والقيم
- كما ينبغي أن يتم بناء المفاهيم في ذهن المتعلمين بالتدرج إذ يتم البدء بالبسيط فالمركب ثم المعقد حسب تطور قدراتهم العقلية والنفسية والادراكية.
وقد ظهرت في العشرين سنة الأخيرة أدبيات تربوية خاصة بعلوم الشريعة تجعل من التراث المصدر الأول، وتهدف إلى الاستجابة لحاجيات التعليم المعاصر، فإلى أي مدى استطاعت هذه الأدبيات أن تستجيب لتلكم المعايير في ضبط الأهداف الدراسية وبناء المحتوى التعليمي؟
أنواع المواد الخاصة بتدريس علوم الشريعة
ينبغي قبل الجواب على هذا السؤال أن نعرف أولا أنواع المواد الخاصة بتدريس علوم الشريعة، وهي ثلاثة أنماط في التعليم النظامي:
- إما أنها مواد مستقلة بذاتها ونجد هذا في التعليم الأهلي، الأصيل، والشرعي، وهي مفردات مختلفة لمسمى واحد.
- أو قد تكون فرعا من فروع منهاج مادة التربية الإسلامية في التعليم العام.
- أو قد تكون مواد تعليمية متخصصة ومتعددة؛ ونجد ذلك في التعليم العالي إذ تشمل وحدات دراسية مثل علوم القرآن بجميع فروعها (التفسير، أسباب النزول، آيات الأحكام، القراءات…) وعلوم الحديث الشريف (الجرح والتعديل، فقه الحديث، أصول التخريج، مصطلح الحديث…) وكمادة أصول الفقه والفقه (الاختلاف الفقهي، مقاصد الشريعة الإسلامية، القواعد الفقهية والأصولية، الفقه المقارن…).
ومن المعروف أن أي منهاج دراسي بهذا التفرع والتنوع من الابتدائي إلى التعليم العالي ينبغي أن يقوم بصياغته متخصصون ذو خبرة في بناء المناهج الدراسية، وأصحاب التخصص في علوم الشريعة حيث:
- يقومون بمراعاة الترابط بين جميع المراحل الدراسية، بحيث يجب أن يحددواْ مدخلات كل مرحلة ومخرجاتها الخادمة للمرحلة الموالية.
- كما يجب عليهم أن يحددوا الغايات الكبرى للمنهاج التعليمي عند نهاية التعليم الجامعي، ويجب أن تكون هذه الأهداف واضحة ومحددة ودقيقة وقابلة للتقويم والقياس والتتبع.
- وبناء على تلك المقاصد يحدد المحتوى المعرفي لكل مستوى دراسي ويكون ذلك عبر احترام قانون التدرج مع وضعه في أنشطة تعليمية وينبغي تدريسه باستعمال الوسائل والطرق المناسبة والملائمة.
ومن أراد تطبيقا عمليا لكل ما قلناه فيجب عليه الرجوع إلى كتاب أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي، خالد الصمدي وعبد الرحمان حللي في الصفحة 84 و85.
تحديد المحتوى المعرفي:
إن كل ما يتحكم في تعيين وتحديد مواصفات كل مادة معرفية هو المقصد والهدف الدراسي المناسب.
ففي سلك التعليم الابتدائي على سبيل المثال يتم التركيز على النصوص القرآنية ذات النزعة القصصية (الحكاية…)، وكذا المقاطع القرءانية التي تحتوي على الحكم والعبر والغنية بضرب الأمثال بهدف استخلاص الأخلاق الفاضلة والآداب الرفيعة والقيم المثلى مع ترسيخ الرغبة في تمثلها وتنزيلها في الممارسة اليومية للمتعلم.
أما في التعليم أو السلك الاعدادي فينبغي التركيز على النصوص القرآنية ذات المحتوى الهادف إلى تصحيح المفاهيم والتصورات الخاطئة أو التصرفات الخاصة بالجماعة والمنتشرة في المجتمع وكذا التصرفات الفردية، كما يتم التركيز على النصوص الغنية بالأوامر والتوجيهات التي تحفز اتخاذ قرارات ومواقف وبناء قناعات سليمة خصوصا المقاطع أو النصوص الشرعية التي تكون ذات أسباب نزول أو ورود، ولأن محيط التعامل يتسع بالنسبة للمتعلم ينبغي التركيز على ما يرتبط بانشغالاته واهتماماته وحاجاته وتساؤلاته خصوصا في هذه المرحلة كالعلاقة مع الوالدين والأصدقاء والتلاميذ والأساتذة والمحيط الاجتماعي والأسري بشكل عام.
أما في مرحلة الثانوي التأهيلي فيتم التركيز على ترسيخ المكتبات السابقة، وعلى قراءة قضايا الواقع الذي يعيش فيه المتعلم والذي يعاصره في ضوء الآيات القرآنية، نظرا إلى أن معارف المتعلم في هذا السلك تشهد تعددا في المصادر فكان لابد أن تبنيَّ قراراته وقناعاته العلمية والمعرفة على هدى القرآن والسيرة والسنة النبوية بأسلوب وبطريقة عقلية منطقية يستند إلى قراءة جذابة ومشوقة في نصوص القرءان الكريم والحديث النبوي الشريف والسيرة النبوية، ليفهم من ذلك أن الناس تم توجيهه من قبل الله تعالى بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أخلاق وأحكام متقنة الوضع وقيم حكيمة في حقوق الإنسان، والصحة والوقاية، والفن والجمال والبيئة، والإعلام والتواصل، والاقتصاد وغيرها من القضايا التي يرى الكثير من الناس أن بين الإسلام وبينها قطيعة معرفية ونفور منهجي.
يتم تقوية كل هذا وتعزيزه بالآليات المنهجية للتعامل مع الفرقان في ضوء السنة النبوية، وكذا بالطرق التي تساعد على جمع الآيات الواردة في موضوع واحد، مع استثمار واستغلال أسباب النزول وأسباب الورود، والعلم بالناسخ والمنسوخ وضوابط فهم الاصطلاحات القرآنية، وغيرها الكثير من أدوات الفهم والدراية.
إن أي رجل تعليم وتربية يعلم أن هذه المرحلة بالذات في هذا السلك تكون حاسمة جدا ومهمة في إنشاء وبناء وتطوير مناهج التفكير والتعقل لَدَى جميع أو غالب المتعلمين، كما أنه من المعلوم والمعروف أن المنهاج الإسلامي القرآني والحديثي يعد من أرقى المناهج التربوية في بناء المعارف ومناهج التفكير، لهذا يجب إظهار الأبعاد المعرفية وتنمية الكفايات المنهجية بشكل يتوازن مع هذه المرحلة ولا يقع هذا إلا بالانطلاق من مناهج العلماء في التعامل مع القرءان والسنة النبوية.
أما فيما يخص المرحلة الجامعية أو ما يسمى بالتعليم العالي فيضاف إلى تعميق المهارات والمعارف المكتسبة في المراحل السابقة توسيع مدارك المتعلم في علوم القرآن بمختلف درجاتها وأنواعها على مستوى الفهم والتنزيل، ثم يتدرب على البحث والتدقيق في مصادر هذا الفن المتخصصة، ثم يربط بين مختلف المعارف الإسلامية في محاولة منه لفهم القرءان الكريم والسنة النبوية ومقاصد الشريعة وعلم أصول الفقه وتحليل ومقارنة أقوال شراح الحديث ومفسري القرءان، مع الاطلاع على توجهات المدارس العلمية المختلفة في التعامل مع القرءان فقهية أو كلامية أو علمية أو لغوية…كما ينبغي عليه أن يتدرب على أدوات الاستنباط الفقهي من آيات الأحكام، ثم يستثمر المعرفة اللغوية والعلمية والاجتماعية والنفسية في الوصول إلى أحسن فهم للمعاني القرآنية، ومعرفة سبل الاستدلال بالنص عقلا ونقلا في مختلف الوضعيات، كما يتدرب على طرق وأساليب البحث العلمي في الدراسات الشرعية.
المقال جميل ورائع لكنه متعب قليلا في القراءة
ردحذفيحتاج إلى تنسيق أكثر
شكرا لك عزيزي القارئ النهم على تعليقك الجميل
حذفأما بخصوص التنسيق فقد خصصنا فترة سنوقف فيها التدوين لفترة ثم سنركز على التنسيق
ثم سنعود مرة أخرى إلى التدوين
تابعنا في باقي التدوينات