مظاهر الأزمة التي يعيشها التعليم الديني في الجامعات الإسلامية.
تم التطرق في مقال سابق إلى اتفاق أغلب العاملين في ميدان التربية والتعليم في الجامعات الإسلامية على وجود أزمة ومشكلة تحتاج إلى حل جذري لمعالجتها، وقبل أن نعرض لمظاهر هذه الأزمة في التعليم الديني في الجامعات الإسلامية وجب أن نذكر أنه سبق لنا أن تحدثنا ولو قليلا عن أسباب الأزمة الخارجية، أما في هذا المقال والذي سيكون الجزء الثاني سأتحدث عن الأسباب الداخلية ثم عن بعض مظاهر الأزمة التي يعيشها التعليم الديني في الجامعات الإسلامية.
العوامل الداخلية لأزمة التربية والتعليم في الجامعات الإسلامية.
يعود التدبير السياسي (ذو المصالح الحزبية/الاقتصادية الضيقة) سلبا على التربية والتعليم سواء الجامعي أو قبل الجامعي (العام أو الخاص أو الديني)، لكن لو غاب التدبير السياسي الواعي عن التعليم عموما فسيكون في أزمة كذلك، فلا غنى عنه إذن، لأنه يعد ضروريا خصوصا مع تبدل نظام التعليم الديني من التقليدي الكلاسيكي إلى التعليم الأكاديمي الحديث، وهو ما سبب في ظهور مشاكل متعلقة بالمنهاج ومضمونه وأنماط التعليم، ومشكل الكم والكيف والمحتوى خصوصا أن الكم مرتبط بالشمولية والتكامل، بينما المحتوى مرتبط بمستجدات العصر وضرورة التنمية…ولو اختزلنا المضمون قد نجد مشكلة أخرى هي ضرورة تدبير الكيف حيث وجب تقديم المنهاج بطريقة تراعي اكساب وبناء المعارف، وتنمية المهارات، وترسيخ القيم، لأن الغالب في تدريس علوم الشريعة في الجامعات هو التدريس بطرق تقليدية التي تركز على المحاضرة والتلقين؛ فلو تحدثنا مثلا عن تدريس أصول الفقه فإن غالب الجامعات والكليات تدرس معلومات موجودة في كتب الأقدمين لكن يغيب عن غالب الأساتذة تدريس ملكة أصول الفقه والتي تخرج الفقيه المفتي بدل الطالب العارف فقط.
يضاف إلى هذا مشكل آخر وهو ضعف وهوان القائمين على التعليم الديني في الجامعات الإسلامية سواء في المستوى الإداري أو التعليمي وهذا راجع إلى غياب الرقابة السليمة مع ضعف التكوين في طرق التدريس وأسس الأندراغوجيا…مما يضع عقبة أمام تقدم وتطوير التعليم الديني، لأن هذا الضعف يعمق جراح أزمة التعليم عبر التركيز على تحفيظ المتعلمين والطلبة وتغيب بهذا مهارة النقد مما يرسخ آفة التعصب وغياب مبادئ الاختلاف ويحول مؤسسات التعليم الجامعي إلى مكان للتفرقة والصراع.
تجليات أزمة التربية والتعليم في الجامعات الإسلامية.
تجليات مرتبطة بالإدارة والسلطة:
يعود ضعف التربية ما قبل التعليم الجامعي إلى الادارة والسلطة ومنظومة التربية بشكل عام، لأن التعليم عموما والديني بشكل خاص يرضخ للتوجيهات الرسمية والمصالح السياسية، والتدخل المنفرد لبعض السلطات والتي لا علاقة لها بالتربية بشكل مباشر في تغيير أو حذف بعض جوانب المنهاج. هذا من جهة أما من الجهة الأخرى فإن التعليم الديني يتم تهميشه بشكل متعمد بحيث يوضع في مرتبة أدنى من مرتبة المناهج والمواد والتخصصات الأخرى، وهناك توجيهات مباشرة وغير مباشرة ليتم تقليل الاهتمام بهذا التخصص في المدرسة والمرحلة الثانوية والجامعات، حيث لا يحظى بالتخطيط الكافي والدعم المالي اللازم، كما أن آفاق ووظائف التعليم الجامعي المتعلق بالتعليم الديني قليلة مما يزيد من النظرة التي تسيء إلى هذا التعليم، وينتج هذا وعيا غير صحي عند أغلب الشعب على أن هذا التخصص مرتع الكسالى. وهذا يعقبه هوان الادارة العلمية ثم إن قلة الامكانات يزيده ضعفا على ضعف التعليم الديني في الجامعات الإسلامية.
تجليات الأزمة المرتبطة بالمنهاج:
تظهر أزمة المنهاج في التعليم الديني الجامعي فيما يلي:
- عدم موافقة المنهاج للواقع:
ويتجلى ذلك في المضمون والشكل، فما فتئ طالب علوم الشريعة يدرس مصطلحات ومسائل أو مفاهيم وبعض الأمثلة التاريخية والتي لا علاقة أو صلة لها بالعصر والواقع.
- تغييب المستجدات المعاصرة:
وهذا الاشكال يزيد الطين بلة هو؛ لأن عمق علوم الشريعة -سواء المتعلقة بالعبادات أو المعاملات المادية وغير المالية وعلم الكلام وما يتعلق به من علوم العقيدة- هو تدريسها مع مراعاة تساؤلات العصر ومستجدات الواقع المعاش.
- تضخم المقررات والمناهج:
وذلك بالاهتمام بالكم بدل الكيف؛ وهذا سببه نزوح المنهاج نحو التعميم والتركيز على أن يكون المتعلم والطالب عارفا وملما بكل شيء، في حين أنه سينسى كل ما حفظه بعد فترة وجيزة وهو غير قادر وغير مؤهل لتوليد المعلومات أو تحليلها وتركيبها واستخلاص نتائج منها في المستقبل لضعف مهاراته في الجانب الكيفي (المتعلق أساسا بالمهارات والابداع).
- ثغرات في تنظيم التدريس:
سلبية نظام الفصول وبُعْد تدريس علوم الشريعة عن استعمال التقنيات الحديثة مع مشكلة كثرة الامتحانات وتركيز الاختبارات على جانب الاستظهار واسترجاع المعارف وإعادة تدوين ما سبق تدوينه في المقررات بعض النظر عن مدى فهم الطالب وقدرته على ابداع نظير لتلك المعلومات أو حتى نقدها.
- غياب التكامل المعرفي:
حيث أن غالب مدرسي علوم الشريعة لا ثقافة لهم في العلوم الأخرى ذات الصلة خصوصا علم النفس وعلم الاجتماع وعلوم القانون والسياسة…وهو ما يزيد الطين بلة ويضيف المشكلة إلى أزمة المنهاج…ولو عدنا إلى علماء الإسلام الذين طوروا علوم الشريعة نجدهم ضليعين بالعلوم والتخصصات المهمة والتي لها علاقة بتعليم وتدريس علوم الشريعة.
- ضعف المنهجية وأحادية التفكير:
وتغييب الحوار والنقد أدى إلى غلبة التعصب وغاب التفريق بين قدسية النصوص الفقهية وضرورة فهمها؛ مما يولد حب وتعظيم التقليد والنظرة الأحادية الحادة الواحدة للمسائل والنصوص الشرعية والتاريخية ويتم تأويلها ولي أعناقها حسب المطالب السياسية (ذات المصالح الضيقة الشخصية) أو بحسب الوجهة السائدة؛ ويؤدي هذا إلى رفض المخالف وغياب الطريقة العلمية في التعامل مع آرائه ومواقفه (وقد يلجأ إلى التهديد والسب لإسكات الرأي الآخر)…والمشكلة لا تتوقف هنا بل تزداد بأن يخفت ضوء ونور الابداع والبحث العلمي الرصين.
- يَضْعفُ الشيء بضُعْف أصله وهذا حال المنهاج:
فمن مصادر ضعفه هوان أسسه التي بني عليها وعدم ارتباطها بالواقع والعصر، فمثلا المقاصد والأهداف التي تكون عائمة (غير قابلة للتنزيل) يجعل ذلك المنهاج لا يتحقق ولا يحقق الأغراض التي وضع لأجلها.
تجليات الأزمة المرتبطة بالمدرس:
يعد المدرس والأستاذ والمربي من أهم عناصر ثالوث التعليم والتربية (المتلقي، الأستاذ، المادة المدرسة) وهناك من يضيف طرق التدريس…لكن هذا ليس موضوعنا حاليا، بل إن هذه الفقرة مخصصة لمعرفة أن تهميش القائمين على التربية هو تهميش للتربية ككل، ولا قدر الله قد يكون المدرس والأستاذ أكبر معرقل لتطور التربية ما دام أن الجهات المختصة غضت الطرف عن أزمة تكوين الأساتذة أو قامت بتوظيف من لا يستحق أو أنها غفلت بعلم أو بجهل عن حاجات هذه الفئة الهامة، وهذا أمر واقع في كثير من المدارس والجمعيات ويمكن أن نلاحظ هذا في التجليات الآتية:
- نرجسية النخبة المُدَرِّسَة، وغياب التواصل بين الطالب والمدرس.
- ضعف اللغة مع ضعف الجانب التقني لدى الكثير من الأساتذة مما يؤدي إلى تخلف طرق التدريس وأسلوب التعليم والتربية.
- ضعف الكفاءة العملية والعلمية في التخصص الدقيق لعلوم الشريعة.
تجليات الأزمة المرتبطة بالمتخرج والطالب:
ويمكن أن ألخص مظاهر ذلك في المتخرج فيما يلي:
- ضعف الطلبة والمتخرجين على المستوى العلمي، مع غياب الدافع العلمي الذي يحفز رغبة متابعة الدراسة والتعلم والابداع في العلم، وهذا نتيجة منطقية لترهل المنهاج التربوي التعليمي.
- عدم نفعية الطالب في مجتمعه بحيث تم تغييب أثره فيه، ويعود ذلك إلى ضعف التدريبات العملية في الجامعات، واعتبار التربية والتعليم الديني نظريا فقط.
- عدم مراعاة نفسية الطالب وظروفه، ثم ضعف الاهتمام بحاجاته المادية والصحية، أنتج هذا هوان الجانب الروحي المتعلق بالوازع الديني في التعلم وطلب العلم، فأضحى العلم يؤخذ لأجل الحصول على وظيفة بدل أن يكون العلم لعبادة الله.
يمثل الطالب والمتخرج من الجامعات الإسلامية نموذجا لأزمة التعليم الديني، فوضعه نتيجة مركبة لكل عناصر الأزمة في التعليم بشكل عام.
مقال لا بأس به
ردحذفشكرا لكم عزيزي القارئ
حذفقراءة ممتعة
وقد أحسنتم القول والمقال
ردحذفجزيتم خيرا سيدي
هذا واجبنا الديني
حذف